2019-01-09 479
قالت المحامية منى الأربش ان مقترح تعديل المادة 79 من الدستور أثار لغطا سياسيا وقانونيا، وهي المادة التي تنص على أنه «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير»، ليصبح نصها وفق المقترح المقدم «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير، وكان موافقا للشريعة الإسلامية».
وأضافت في دراسة أجرتها أن نصوص الدستور الـ 183 مادة تكفلت وحدها بدحض هذا المقترح، إذ لا تسبح متنافرة لكل منها فلكه الخاص به، بل على العكس، هي نصوص متسقة ومتكاملة، وبينها رباط خفي، بالتمعن فيه وبتدقيق النظر يستجلى الناظر وجود «ضمانات دستورية» قصدها واضعوه من أجل استكمال أسباب الحكم الديموقراطي، ولهذه الضمانات مجال حيوي تتنفس فيه، بحيث يكون مجرد التعدي على جوهرها أو انتقاصها من أطرافها، قمع لها.
وردنا على المقترح ـ محل الجدل ـ نجعله في نقاط محددة، بيانها كالتالي:
1 ـ من الضمانات الجوهرية التي نص عليها الدستور في مادته الثانية أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وهو قيد يجب على السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحرياه وتنزلا عليه في تشريعاتهما الصادرة، إذ لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا أو تبديلا.
2 ـ لا يجوز للمشرع أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، أما الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، فهي وحدها التي يجوز فيها الاجتهاد، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، وعلى أن يكون الاجتهاد دوما كافلا صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على «الدين والنفس والعقل والعرض والمال».
3 - يجب إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه، تطويرا لقواعد عملية تكون في مضمونها أرفق بالعباد، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي تشرع الأحكام لتحقيقها، وبما يلائمها.
بحسبان أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وإلا كان ذلك نهيا عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى، وإنكارا لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، بل ان من الصحابة من تردد في الفتيا تهيبا (وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل زمنا).
4 ـ لولي الأمر أن يشرع بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مستلهما في ذلك أن «المصالح المعتبرة»، هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة، وهي مصالح تتحدد على ضوء أوضاعها المتغيرة.
يؤيد ذلك أن الصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين، كثيرا ما قرروا أحكاما متوخين بها مطلق مصالح العباد، طلبا لنفعهم أو دفعا لضرر عنهم أو رفعا لحرجهم.
5 ـ إن «حرية العقيدة» التي نص عليها الدستور في المادة 35، تعني ألا يحمل الشخص على القبول بعقيدة لا يؤمن بها، أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الإعلان عنها، أو مناصرة إحداها تحاملا على غيرها سواء بإنكارها أو التهوين منها أو ازدرائها، بل تتسامح الأديان والعقائد فيما بينها، ويكون احترامها متبادلا.
ولا يجوز كذلك في المفهوم الحق لحرية العقيدة، أن يكون صونها لمن يمارسونها إضرارا بغيرها، ولا أن تيسر الدولة ـ سرا أو علانية ـ الانضمام إلى عقيدة ترعاها، إرهاقا لآخرين من الدخول في سواها، ولا أن يكون تدخلها بالجزاء عقابا لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها.
وليس لها بوجه خاص إشعال صراع بين العقائد تمييزا لبعضها على البعض.
كذلك فإن حرية العقيدة لا يجوز فصلها عن حرية ممارسة شعائرها، وهو ما حمل الدستور على أن يضم هاتين الحريتين في جملة واحدة جرت بها مادته الخامسة والثلاثون بما نصت عليه من أن حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، محميتان.
وهو ما يعنى تكاملهما، وأنهما شطران لا ينفصلان، وأن ثانيتهما تمثل مظاهر أولاهما باعتبارها انتقالا بالعقيدة من مجرد الإيمان بها واختلاجها في الوجدان، إلى التعبير عن محتواها عملا ليكون تطبيقها حيا، فلا تكمن في الصدور، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب.